فوز ترمب- قضايا داخلية، وعود بالتغيير، وصراع المؤسسة العميقة.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.06.2025
فوز ترمب- قضايا داخلية، وعود بالتغيير، وصراع المؤسسة العميقة.

لم يكن فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية مفاجئًا للمراقبين عن كثب للرأي العام في الولايات المتحدة. فقد استحوذت قضايا داخلية بالغة الأهمية على اهتمام الأمريكيين مؤخرًا، وهي قضايا لم تقدم منافسة ترامب حلولًا جذرية أو وعودًا ملموسة لمعالجتها. من بين هذه القضايا، تبرز مسألة فرض أجندة الشذوذ في المدارس، وهي خطوة تعهد ترامب بإلغائها، الأمر الذي أكسبه دعم الملياردير إيلون ماسك، مالك تويتر/إكس، الذي صرح بفقدانه ابنه بسبب هذه الأجندة.

قضية أخرى حاسمة هي الهجرة غير الشرعية، التي وعد ترامب باتخاذ إجراءات صارمة لمنعها ووقفها. وقد تصدرت أخبار استيلاء عصابات الجريمة المنظمة المؤلفة من مهاجرين غير شرعيين على مناطق سكنية وتهديدهم لسلامة السكان، وخاصة النساء اللاتي أعربن عن خوفهن وعدم شعورهن بالأمان في الشوارع، عناوين وسائل الإعلام الأمريكية. كما كثرت التقارير عن جرائم القتل والاغتصاب التي يرتكبها هؤلاء المهاجرون.

نظرًا لأن غالبية المهاجرين غير الشرعيين يأتون من دول أمريكا اللاتينية التي تعاني من انتشار عصابات الجريمة المنظمة، فقد نشأ انطباع عام بأن العديد من هؤلاء المهاجرين ينتمون إلى هذه العصابات ويعتبرون الهجرة وسيلة لتوسيع أنشطتهم الإجرامية. ولهذا السبب، كرر ترامب في حملته الانتخابية وصف المهاجرين بأنهم مجرمون، بينما لم تقدم منافسته كامالا هاريس أي حلول أو وعود لمعالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية، مما جعل حملتها تبدو وكأنها تهدف إلى الاستمرار في الوضع الراهن.

ومع ذلك، فإن غالبية الشعب الأمريكي غير راضين عن الأوضاع السائدة، وخاصة الأوضاع الاقتصادية وتدهور قطاع الصناعات الأمريكية نتيجة انتقال الاستثمارات إلى الصين. وقد وعد ترامب بإنعاش قطاع الصناعة في أمريكا من خلال اتخاذ إجراءات مضادة للواردات الصينية، وهو ما ساهم في فوزه. لقد قدم ترامب وعودًا بتحقيق تغيير حقيقي، بغض النظر عن إمكانية تحقيق هذه الوعود على أرض الواقع، ورفع شعارًا جذابًا يستثير الكبرياء الجماعي وهو "جعل أمريكا عظيمة مجددًا".

لم تخسر كامالا هاريس الانتخابات لأنها امرأة، بل لأن سياسات حزبها تتعارض مع اتجاهات الرأي العام الأمريكي ولا تقدم أي وعود بمعالجة القضايا الملحة أو رؤية لواقع أفضل. لقد أنست قوة الوعود التي قدمها ترامب الرأي العام أنه لم يحقق شيئًا منها خلال فترة رئاسته الأولى. فالسياسة في أمريكا، ومعظم دول العالم، لا يصنعها رئيس الدولة وحده، بل المؤسسة العميقة المكونة من مؤسسات الدولة السيادية ومراكز القوة والنفوذ فيها.

تعارض المؤسسة العميقة في أمريكا ترامب لأنه يثير الشكوك حولها ويستعدي الرأي العام عليها ويتهمها بالفساد ويشجع نظريات المؤامرة حولها، ويتهمها بسرقة الانتخابات السابقة منه التي ما زال لا يقر بأنه خسرها. وكان من ضمن وعوده محاربة المؤسسة العميقة التي اتهمها بالمسؤولية عن كل السياسات التي يريد الشعب الأمريكي الخلاص منها.

لكن فعليًا، لا يمكنه تحقيق وعوده تلك ضد المؤسسة العميقة، خاصة وأن مراكز القوى الدولية تعارض توجهات ترامب ووعوده لأنها تعتبرها تخلخل استقرار الأوضاع العالمية المتوافق عليها. فالعالم كله بات أشبه بآلة موحدة كبرى مرتبطة ببعضها بشكل كامل، وترامب يعد بإلقاء عصا في محرك تلك الآلة. لذا، ليس هناك تأييد دولي له ولا لأي زعيم يعد بسياسات أحادية الجانب لا تراعي التوافق مع الأوضاع والمصالح العالمية.

أمريكا نفسها متورطة في إزالة العديد من الحكومات في العالم بالانقلابات والثورات والاغتيالات والحروب التي أراد زعماؤها التصرف بشكل أحادي يراعي فقط مصالح بلادهم وشعبهم دون الاكتراث بالمصالح الأمريكية والعالمية المرتبطة ببلادهم. والآن انقلبت الآية بترامب وباتت أمريكا بهذا الوضع، لكن معارضته للضغوط الدولية تجعله يبدو كزعيم قوي في نظر مؤيديه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة